زمن أجدابيا الجميل
عنوان شدني اليه بقوة وجعلني أتوقف عنده . عندما كنت أتجول في شبكة العنكبوت . عنوان فتح أبواب وابواب الي هناك الي الأعماق ألي ذلك الأفاق الشاسع حيث تتكدس ملفات الذكريات القديمة . عنوان جعل الأضواء تتسلل الي تلك الغرف المظلمة المليئة بتلك الذكريات فعندما نتحدث عن اجدابيا وعن زمن أجدابيا الجميل . أجدابيا مدينة المثقفين . لن تتوقف الكلمات . ولن تتسع الصفحات . لانه فعلٌ كان زمن اجدابيا الجميل . زمن الثقافة . زمن الطيبة والمحبة والأمانة . زمن الترابط والخلق الحسن . حقيقة العنوان جعل سلسلة من الذكريات تتزاحم علي الخروج بدون نظام . من لا يذكر المركز الثقافى في اجدابيا الذي كانت ترتاده طبقة المثقفين وذلك النظام المتبع فيه من بطاقات الأشتراك وأعارة الكتب . من لا يذكر مكتبة الأمل . ومكتبة الحياة . عندما كنا ننتظر أصدارات مجلة الأمل . وبساط الريح .والعملاق . وميكى ماوس . وسوبرمان .ولولو وطبوش وتلك السلسلة من الروايات التي يتم تبادلها بين طبقة المثقفين مثل المغامرون الخمسة . وارسين لوبين . حقيقة لقد كان زمن جميل .من لا يذكر انتظارنا الي برنامج عالم الأطفال المسموع من الجمعة الي الجمعة عندما كنا نتابع وننتظر قصة الجدي الأسود . من لا يذكر سندوتشات الفاصوليا في مطعم العبد وطعمية الشاوش المميزة وأستراحة بن غزى وسندوتشات الكبدة . ومطعم مارينا . ومطعم الهدار . من لا يذكر سينما شهرزاد وسينما الجلاء عندما كنا نصفق بحرارة لبطل الفيلم ونصيح في بعض الأحيان اكوادروا . اكوادروا ولعدة ايام نتحدث عن الفيلم . من لايذكر عندما كنا نتابع حلقات مسلسل الهارب ومسلسل النوق البيض وننتظر السهرة بشغف وبرغم أنه لم تكن هناك الا قناة واحدة نشاهدها غير انها كانت لها طعم خاص . لقد كان زمن جميل ومدينة جميلة . حتى المواصلات كانت ميسرة وسهلة فهناك اتوبيس يجوب مدينة اجدابيا يطلق عليه أسم اتوبيس الدورة . وهناك كانت الفنطازى والشلالات حيث المياه العذبة . من لايذكر تلك الأبار الشهيرة ولم يجلب منها المياه في شهر رمضان . وعندما نذكر رمضان وليالي رمضان تنفتح ابواب وأبواب . لذكريات رمضان . وقمر الدين وذلك المسحراتى الذي كان يجوب شوارع اجدابيا ويوقض الناس للسحور وصلاة التراويح في ذلك المسجد العتيق الذي أكبر جريمة ارتكبت في حقه هي هدمه واعادة بناءه . لا نزال نذكر طيور السنونو وهي تجوب أجواء المسجد فوق المصلين ذلك الطائر الذي يحب البشر والذي كنا نكاد نعتبره مقدس ونطلق عليه أسم السلٌيوة فلا أحد يتجراء علي ايذأه وحتى أن وجد مصاب علينا أن ندهنه بالزيت ونطلق سراحه فهو قادم من مدينة مكة المكرمة . أيام وذكريات جميلة في زمن اجدابيا الجميل من لا يذكر محلات ادويك ومحلات طارق وجيلاتى الأسكيمو مصوراتي انتصار . وفندق الخضرة . وسوق الخردة سوق الفحم . وحي الرياسة . وتلك الفرحة الكبري عندما تم انشاء ملاهي في شارع الكفرة والحديقتين في نفس الشارع حينها كنا نطلق عليها أسم جردينا . الله الله أيام وذكريات كنا نشرب من أبار اجدابيا وكأننا نمتص الحب من أرضها لهذا كنا نحبها . مياه الأبار التى كنا ننتشلها بعلبة من الصفيح نربط بها حبل وقد تكون علبة أفليت سائل . الأبار كانت بمثابة الثلاجة فعندما يكون الجو حار كانت المياه باردة وعندما يكون الجو بارد كانت المياه دافئة . وبرغم أن الجو كان في الصيف حار غير انه لا تجد أحد يشتكى فقد تكيفنا مع جوها وذلك العرق الأبيض الذي كان يرسم خطوطه الطبشيرية علي ايدينا عنوان علي الصحة فقد كانت اجسامنا صاحة نتعايش الطبيعة فالصيف صيف والشتاء شتاء . في زمن اجدابيا الجميل . جميع هذه المصطلحات التى نسمعها اليوم تتداول بين الشباب لم نكن نعرفها فقد كانت تحكمنا شريعتنا وديننا وأخلاقنا التي تربينا عليها لا تجد أحد يتشبه بالنساء ويخالف الأداب العامة فقد كان هناك الحاج فضيل رحمة الله عليه الذي كان يشغل منصب بوليس الأداب وفي ذلك الوقت كانت الموضات الشاذة عن القاعدة تسمى الخنافس ويا ويل ويله من يقع في يده وقد أطال شعره ولبس سراويل الخنافس حينها يتعرض الي الحلاقة بنوع صفر وتمزيق سراويل الخنافس . ولا أحد يعترض فقد كان النظام والقانون فوق كل شي . السرقة والرشوة . والخيانة . مصطلحات لا وجود لها في زمن اجدابيا الجميل حينها وقت الصلاة تجد عصاة المكنسة في باب المحل وصاحبه بالمسجد فلا يدخل أحد ولا يتعدى علي المحل أحد . الكل أخوة لا يوجد تعنصر ولا قبلية . انه زمن اجدابيا الجميل زمن بابور الحاج ضوء وروائح الزميته . زمن خبزة التنور وتلك النداءت التى كانت تسمعها بعد العصر وفي وقت تأجج التنانير حين كان الأطفال يصيحون بهذه العبارة ( حارنين ع القنان ما يلعبوا في الزنقة ) والمقصود بحارنين أنهم داخل البيت بجانب التنور ينتظرون القنان وهو أصغر الأرغفة . في ذلك الزمن الجميل كانت الألعاب البطش والزغد والتصاوير . ذلك الزمن الجميل . زمن الأناس الطيبون . زمن البركة . حتى عندما تتأخر الأمطار يتم ذبح قعود صدقة ويصلون صلاة الأستسقاء وفي نفس اليوم يهطل المطر وحدث في أحدا المرات أن المطر هطل بمجرد الانتهاء من الصلاة . أنه زمن الحياء والأدب لا نعرف هذه المسلسلات التافهة المدبلجة التي تخدش الحياء ولا هذه القنوات الخليعة التي تحارب ديننا لم نكن نتجراء أن نتفوه بكلمة أغنية او عرس او عروسة أو أن نشاهد حتى مسلسل محترم مثل النوق البيض مع من هم أكبر منا سن أو اباءنا . كان ذلك بمثابة جريمة لا تغتفر تربينا علي الخلق الحسن وعلي الاحترام وعلي زمن أجدابيا الجميل وهاهي الأيام تمر والزمن يمضي واجدابيا تتمدد وتكبر وتزداد جمال وتضل هي أجدابيا فالشمس لا تزال تشرق من الشرق وتغرب في الغرب ولا يزال هناك ليل ونهار وفصول أربعة لم يتغير شي غير نفوسنا وأخلاقنا التى شوهت اللوحة الجميلة ولم يتبقي غير اسم ذكريات زمن اجدابيا الجميل
بقلم /سعد الوحيشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق